"الزنداني".. رحيل مستعجل لرجل المهمات الصعبة

مانشيت - خاص:

مع مواصلة مليشيات الحوثيين والرئيس الراحل علي صالح الانقلابية، زحفها نحو محافظة عدن، وفي خضم الاستعدادات العسكرية لانطلاق "عاصفة الحزم"، أواخر مارس من العام 2015، كان لابد للرئيس عبدربه منصور هادي، ولقيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، من اختيار رجال عسكريين، يمكن المراهنة عليهم، نظرًا لكفاءتهم الميدانية وخبراتهم المتراكمة، وكان اللواء الركن، صالح الزنداني، واحدًا في صدارة هؤلاء الأشاوس.

عكف الشهيد الزنداني، مع رفيقه الشهيد، جعفر محمد سعد، محافظ عدن الأسبق، - عليهما رحمة الله – على تدارس الخطة العسكرية التي رسماها لتحرير عدن، القابعة حينها تحت وطأة اجتياح مليشيات الحوثيين المدعومة إيرانيًا وقوات "الحرس الجمهوري" التابعة لصالح، وكان شوقهما إليها يستعجلهما، يتوقان إلى معانقة "قلعة صيرة" في المدينة العتيقة، وإلى احتضان تراب هذه المدينة الجميلة التي باتت تدنسها أقدام "الأدوات الإيرانية"، ولم تكد تمض سويعات على مصادقة الرئيس هادي على الخطّة التي وضعاها، حتى غادرا صوب جيبوتي، ومنها إلى عدن بحرًا، يسابقان السفينة بأفئدتهما التي ترنوا إلى ملاقاة الصامدين فيها، لاهفة لانطلاق ساعة الصفر، التي قد تدخل الفرح في نفوس المكسورين من هذا الوطن المثخن بالجراح.

بقي الرجل المولود في العام 1956م، في مديرية جحاف، بمحافظة الضالع، في مقدمة خطوط المواجهة، مع رفاقه الآخرين من القادة العسكريين المخضرمين، يتابع ويشرف على الخطة المرسومة بشغف عسكري بالغ، ونهم لا يخطئ الانتصار، انطلاقًا من إيمانه الراسخ بعدالة القضية التي يدافع عنها في وجه المأزق الإمامي البغيض. ظلّ يتنقل بين الجبهات، مستمرًا في المتابعة لا يغفل أي تفصيل، ولا يبخل بالمشورة النابعة عن خبرته وكفاءته العسكرية التي جادت له بمنحة رشحته إلى الأكاديمية العسكرية العليا في "فرونزا" بالاتحاد السوفييتي، بعد تفوقه في الكلية العسكرية عام 1967م.

لم تمنعه إصابته التي أصيب بها خلال المواجهات المباشرة في عدن من البقاء لوقت أطول في السعودية لتلقي العلاج، حتى عاد أكثر عزمًا وإصرارًا، متوليًا مهام أخرى أعقبت فترة تحرير المدينة، ليبدأ معركته الجديدة ضد عناصر التطرف والإرهاب، مستلهمًا تجربته في إدارة غرفة العمليات العسكرية التي خاضتها قوات الجيش اليمني، ضد عناصر "تنظيم القاعدة"، بمحافظة أبين، بين عامي 2011 – 2012م، بقيادة رفيقه اللواء الركن، الشهيد، سالم قطن.

وبالعودة إلى بدايات اللواء الركن الشهيد، صالح قائد علي الزنداني، فإن رحلته العسكرية كان دافعها إعانة والده على مواجهة شظف العيش، إذ التحق بشكل مبكر بالكلية العسكرية بعدن، ليقوده تفوقه إلى الاتحاد السوفييتي لإكمال تعليمه، ليتخرج في العام 1992م، ليعمل مستشارًا لنائب الرئيس، علي سالم البيض، للشؤون العسكرية.

وكغيره من الكوادر العسكرية في المحافظات الجنوبية، لم يجد الزنداني، إلا الجحود والتهميش من قبل نظام الراحل صالح، وبقي من بين آلاف الكوادر المقصيين، حتى إعادة ترتيب وضعه "الشكلي" في العام 2007، من بين 85 قائدًا عسكريًا كمستشارين في هيئة الأركان العامة، على وقع الاحتجاجات المتصاعدة في وجه نظام صالح، في جنوب اليمن، لكن كفاءته العسكرية على المسارح العمليات العسكرية إعادته مجددًا إلى الواجهة من خلال الحروب الثلاث الأخيرة التي شهدتها صعدة، منذ 2007 وحتى 2010م، ليبقى بعدها متصاعدًا في المناصب العسكرية، حتى عينه رئيس الجمهوري، عبدربه منصور هادي، نائبًا لرئيس هيئة الأركان العامة، منتصف العام قبل الماضي.

ونتيجة لخبرته التراكمية كواحد من الضباط الأوائل، المسهمين إسهامًا مباشرًا في تأسيس نواة جيش "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، أصبح حتى قبيل استشهاده يقود رحلة بناء القوات المسلحة اليمنية، وفق أسس علمية صحيحة، وعمل جاهدًا لافتتاح الكلية العسكرية في عدن، إلى جانب عدة مجهودات أخرى.

لم يملّ الشهيد الزنداني، ترديد تأكيداته رغم قلة مناسبات ظهوره الإعلامية، على "العزم في استعادة الدولة واستعادة مؤسساتها ونظامها الجمهوري، للمضي نحو تنفيذ ما توافق عليه اليمنيون في مؤتمر مخرجات الحوار الوطني نحو الدولة الاتحادية"، ولأن الشهادة برهان دامغ على صدقه، فقد باتت دماءه الطاهرة إلى جوار دماء الشهداء الآخرين، تروي شجرة الجمهورية التي يتهافت الأبطال لحماية أغصانها وسقيها.

توفي اللواء الركن الزنداني، الأحد الماضي، متأثرًا بإصابته في هجوم "الطائرة المسيّرة" التي شنتها المليشيات الحوثية الكهنوتية، المدعومة من إيران، على قاعدة العند العسكرية، بمحافظة لحج، الشهر الماضي، أثناء عرض عسكري احتفاء بتدشين العام العسكري الجديد.