مستقبل العلاقات السعودية اليمنية على ضوء التموضع الحزبي في صنعاء

يثير الانتباه ما ظهر مؤخرًا من جدل بين بعض الكتاب الإعلاميين والناشطين السعوديين ونظرائهم اليمنيين – خاصة الشماليين – على خلفية ركود بعض الجبهات الشمالية وعدم التقدم العسكري فيها، واتهام «التجمع اليمني للإصلاح» بالذات، بالتسبب في ذلك وبعدم الإخلاص للمعركة.


وتسمح الخلفية السياسية لهذا الجدل بين قوى سياسية يفترض أنها متحالفة، بطرح النقاش حول أصل الخلاف وليس الخلاف نفسه فحسب، بصفة الموضوع برمته ذا أهمية استراتيجية بالنسبة للصراع في اليمن، فتأخر الحسم في جبهتي صرواح -غرب مأرب- ونهم -شرق صنعاء- التي يقودها الجيش الوطني اليمني بإشراف نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر القريب من الإصلاح، يضع ألف سؤال عما إذا كانت هاتان الجبهتان راكدتين عن قصد وسابق إصرار وترصد؟، هذا السيناريو يحلو لكثيرين ممن تغريهم فكرة المؤامرة الإخوانية أو ممن اقتنعوا بمثل هذه التفسيرات! رغم أن الحكومة السعودية مازالت متعايشة بل ومتعاونة مع «التجمع اليمني للإصلاح».


ويرد الإعلاميون اليمنيون -خاصة المنتسبين أو المتعاطفين مع الإصلاح- بالنفي، ويؤكدون أنهم فقدوا الكثيرين من أبنائهم في هاتين الجبهتين، اللتين توصفان بأنهما أصعب الجبهات لطبيعتهما الجغرافية العسيرة.


لكن في العام الماضي نشرت صحيفة بريطانية تصريحًا لقائد عسكري يمني في «جبهة نهم» استبعد فيه الرغبة في اقتحام صنعاء.


وفي حوار على قناة سهيل اليمنية العام الماضي ناقشت أسباب الجمود في جبهتي «صرواح» و«نهم» مع أحد الشخصيات العسكرية من مأرب، حيث قال العقيد الشيخ محمد الشليف القائد في الجيش اليمني وأحد مشايخ نهم: إن الجنود لم يستلموا رواتبهم منذ أربعة أشهر وتم تسريح الكثير منهم وتسرب عدد آخر بحثًا عن عمل بسبب توقف الرواتب وتجميد «الجبهة» وعدم إعطاء الأوامر بتحرك الجيش.


وفق هذه المعلومات مع أنباء أخرى من مسؤولين يمنيين كبار عن وجود وظائف وهمية كثيرة داخل الجيش الوطني، يمكن القول: إن هناك أزمة داخل الجيش اليمني تتعلق بأمرين: الأول الفساد، والثاني الإرادة السياسية.


وفيما يتعلق بالعنصر الثاني فقد صرح إعلاميون يمنيون للكاتب بأن هناك أوامر بعدم القتال، وهم يعتقدون أنها أوامر صادرة من «التحالف»، فيما يرى الطرف الآخر بأنها من داخل المنظومة الحكومية اليمنية لأن الجبهات الأخرى التي يقودها «التحالف» بجنود جنوبيين تحقق مكاسب يومية، وأنه لا مصلحة لـ«التحالف» في تأخير النصر على كل حال.


وهذه الاتهامات المتبادلة تدل على عدم تماسك الحكومة اليمنية من جهة، وعلى أزمة ثقة داخل هذه الحكومة ومع حلفائها من جهة ثانية، وربما يعزو البعض سبب ذلك لوجود حزب الإصلاح داخل الحكومة وداخل المعركة، وهو أمر ربما لا يحظى بثقة التحالف أو بعضه، لكن الحقيقة بأن «الإصلاح» هو حليف السلطة وهو الوقود الشمالي للمعركة في الوقت الراهن، كائن ما كانت الملاحظات على أداء تنظيماته العسكرية، لذا فإنه يمثل سبب العلة وربما هو دواؤها.


والسؤال المحوري هو: هل وقع «التحالف» في هذه الازدواجية القاتلة؟ فإذا كان لا يراد لـ«الإصلاح» أن يكون في السلطة ولا في قلب المعركة فلماذا شنت الحرب أصلا؟ لأنه لا يوجد في الشمال من القوى المؤثرة والمسلحة سوى حزبي «المؤتمر» و«الإصلاح»، والأول تحالف مع الحوثي، فيما الثاني تضامن مع الشرعية وشكل قوتها، وحتى بعد أن غير تيار من المؤتمر وجهة بندقيته وفض الشراكة مع الحوثي، لم ينضم للشرعية، كما أنه لم يغير موازين القوة على الأرض.


وإذا كان البعض في «التحالف» يريد استبعاد «الإصلاح» وربما تصفيته، فكيف إذن يطلب البعض من هذا الحزب الإخلاص لمعركة هو جزء من أهدافها؟ ينبغي الاعتراف أن هذه العقدة واحدة من أهم تعقيدات الصراع في اليمن.


تاريخيًا، كان حزب المؤتمر والتجمع اليمني للإصلاح هما الركيزتان الرئيستان للعلاقات السعودية اليمنية وكان الرئيس السابق علي عبدالله صالح والشيخ عبدالله حسين الأحمر قائدا الحزبين هما عرابا هذه العلاقات، وبوفاة الشيخ الأحمر عام 2007 اختلت موازين النظام اليمني بكامله إلى أن سقط في عام 2014، ولو كان الشيخ عبدالله الأحمر مازال حيًا أو كان أولاده بمستوى حكمته والتزاماته، ربما لم نكن نشهد كل هذا الليل اليمني الحالك.


اليوم وفي ظل تمزق وانقسام حزب المؤتمر الشعبي العام بسبب مقتل رئيسه وتبدل مواقفه السياسية ونقله بندقية المعركة من كتف إلى كتف، يبقى «الإصلاح» هو الحزب الأقوى سياسيًا والأكثر تماسكًا على الأرض، رغم ما يواجهه من تحديات من قبيل محاولات اختراق قطرية استطاعت حتى الآن استقطاب مؤيدين له، كما يواجه الحزب من جهة أخرى حملات سياسية منظمة تريد تصفيته سياسيًا، وهو أمر مشكوك في تحقيقه.


إذ إن المكون الحزبي في اليمن أساسًا هو مكون قبلي مسلح ويدافع عن مصالحه في ظل حاضنة شعبية، لذا فإن أية خطط لتصفية تيار سياسي رئيسي في اليمن تعتبر في واقع الأمر سيناريو من عالم الفانتازيا السياسية.


إذا افترضنا جدلًا أن الحزبين الشماليين «المؤتمر» و«الإصلاح»، كلاهما سيتعرضان إلى الضعف والإنهاك بسبب الحرب أو الانقسامات أو لفقدانهما قيادتيهما التاريخيتين، فإنه من غير المضمون أن نشهد طبقة حزبية سياسية جديدة، في ظل التشكلات الحزبية القائمة على الولاءات الـ«ما قبل وطنية»، لكن من الممكن أن نشهد محاولات الحزبين الأقوى في اليمن تجديد نفسيهما وهيكلة دورهما السياسي.


نتحدث عن هذين الحزبين في اليمن، ليس لأنهما كانا مع الحزب الاشتراكي مركز الأحداث في تاريخ اليمن السياسي القريب فحسب، بل أيضا لأهميتهما بالنسبة للعلاقات السعودية اليمنية، ولمكانة اليمن – خاصة  شماله – في الأمن الوطني السعودي.


فالحروب التي شهدها اليمن على مدى مائة عام الأخيرة كانت قد أثرت في الوضع السعودي وفي بعض منها تم جر السعودية لتكون جزءًا من الصراع اليمني، لسبب أو لآخر، ولن يلام السعوديون اليوم إذا ما اهتموا بالقضية اليمنية أكثر من غيرهم، أو إذا اشتبكوا مع الآخرين من أجل اليمن.


لذا فإن البعض ينظر إلى تخريب الأحزاب التقليدية في اليمن على أنه بطريقة أو بأخرى تخريب لحلفاء الرياض في هذا البلد، وبالتالي استهداف للعلاقات السعودية اليمنية وتقليص للنفوذ السعودي، فمن أين للرياض حلفاء إذا فسدت علاقاتها بالأحزاب التاريخية؟.


تشهد الحروب الأهلية عادة تبدل في الولاءات بسبب رغبة المتاجرين في الحرب في استثمارها، لكن خطر ذلك الأكبر على الإطلاق بالنسبة لجيران اليمن، هو الاستثمار السياسي ضد مصالحهم وضد أمنهم القومي مثلما فعل الحوثي وربما يفعل غيره، لذا فمن المعقول إدارة الوضع اليمني بقليل من المثالية وكثير من الواقعية.


إن العقيدة السياسية التي تدير العلاقات مع اليمنيين في إطار المصالح المشتركة وليس انطلاقًا من المواقف الأيديولوجية هو خيار ماثل، فإذا كان هناك من هو مستعد لتقاسم التحديات معنا، ما المانع أن يكون حليفًا استراتيجيًا؟، بشرط أن تحدد أصول الشراكة ومنطلقاتها وأهدافها بشكل واضح.

مقالات الكاتب