الجنوب الأخونجي

لطالما كنت في تساؤلاً مع نفسي عن حروب الجنوب الاهلية , حرب الجبهة القومية والتحرير وكيف تم تصفية الجبهة القومية و باقي القوى ومنذ عام 1966م والى 1975م كانت المرحلة الأولى من التصفيات , لكن سألت نفسي , كيف تمكنت الجبهة القومية من ان تسحق باقي القوى , وعند مراجعة عميقة للتاريخ تستطيع ان تنقل نفسك الى واقع الاحداث حينها , وتجد بوضوح كيف ان الجبهة القومية كانت مدعومة خارجياً باختلاف باقي القوى التي لا تحظى بهذا الدعم , والسبب يعود الى نوعية الافراد المسئولين عن الجبهة القومية فهم خليط بين قومي عربي وبين شيوعي اشتراكي , يغلب عليهم العنف وقلة الخبرة والتعطش للسلطة وكان سهلاً ان يكونوا عوناً لمشاريع خارجية  , بينما تقابلها قوى ظهرت في ظروف التنافس السياسي الطبيعي وتخلوا من التركيبة المليشية وقياداتها مدنيو الطابع , والغريب ان الانجليز الذين دعموا في البداية مشروع الاتحاد , قد غيروا بوصلتهم في عام 1965م بشكل تدريجي لتسمح للجبهة القومية ان يكون لها مساحة الحركة ,

فهم يدركون عنف الحركة وطابعها المليشوي وشغفها للسلطة , وبالتالي فهي تميل الى الخصومة المزمنة والصراع وهذا ما رغبت فيه بريطانيا حال خروجها , او  ان تكتوي باقي القوى بنار عنف الجبهة القومية فتطالبها بالبقاء , ولكن كان رحيل بريطانيا حتمياً , وبدأ مسلسل الصراع والتدمير حيث كان  عام 1966 و1967 م  بحيث تمكنت الجبهة القومية في ظل وجود الانجليز ؟؟ , من تصفية جبهة التحرير المنافس الأكثر قوة بقوة قياداتهِ وافراده الذين تميزوا بالتعليم والخبرة وبفهمهم للمدنية بشكل اكبر ,

وبعد ان سيطرة الجبهة القومية , ظهر صراع بين جناحي الحركة , الجناح القومي والجناح الشيوعي , وكان القوميون يعانون من تراجع الدور المصري الناصري بعد النكسة وانعكس هذا على الدعم الذي كانوا يحظون عليه سابقاً , بينما كان المد الشيوعي في توسع ساهم في تمكن الجناح الشيوعي من القضاء على الجناح القومي , وللأسف , فأن الجناح القومي حوى على بعض النخب المتعلمة وتم القضاء عليها ولم يبقى غير الجناح الشيوعي الأكثر تزمتاً والذي يفتقر الى المتعلمين , واستمرت الجبهة القومية في نهج الخصومة والثورة المستمرة وضرب أي معارضة تحت ذرائع الرجعية الدينية والإمبريالية العالمية , وجاء عام 1978م لينتقل الصراع داخلياً في جناح الشيوعية ومن ثم 1986م , في مسلسل الصراع ... 

ومع البحث والدراسة , ترى النهج الدعائي للجبهة القومية , حيث كانت الهيمنة للتحريض والاتهامات والشحن والتلفيق , حتى يتكون لديك ثلاثة شرائح للمجتمع , شريحة مؤيدة مشحونة بعواطفها تستعد للقتل والقتال , شريحة غير قادرة على التعبير عن رفضها للخطاب فتسلك  الصمت امام عنف الشريحة الأولى , وشريحة تتجاهل كل شيء وتصبح سلبية البته , وللأسف , ما أشبهه اليوم بالماضي , نفس الممارسات , فالنهج الدعائي لبعض القوى تحريضي ويميل الى الاتهامات والتلفيق , واليوم بدل الرجعية والإمبريالية , صارت تهمة الاخونجية هي السائدة , فمن ليس معنا اذا فهو اخونجي , وما يتبعها من اتهامات بالإرهاب , وللأسف فأن الشارع الجنوبي والذي لم يستطع بعد ان يتنفس نفس الحرية , يتعرض للقمع المعنوي والجسدي  بسبب هذا النهج الدعائي والذي يستهدف الجميع دون استثناء لمجرد الاعتراض او المطالبة بحقوق امام طرف لا يرى الا نفسه حاكماً وصاحب القرار الأول والذي يقرر حدود حقوقك من عدمها وما الذي يجب ان تقتنع فيه او لا , وبالتالي سلب الناس حقها في الخيار والاختيار والحرية وهي حقوق منحها الله سبحانه وسلبها البشر بقية السلطة ... 

فاليوم , انت , كجنوبي بين خيارين , اما الانقياد والاستسلام , او ان تتلقى سيل الاتهامات والشتائم بالاخونجية والإرهاب , والخيانة العظمى ؟ , وبالتالي اهدار الدم , فانت عرضة للمكروه حينها , وعرضة للاعتقال من مليشيات وعرضة لاي شيء ممكن ان تتخيله وبالتالي فأن الجنوب اصبح اخونجي الاتهام بسبب هؤلاء المستبدون , وببساطة فانهم يدفعونك الى خيار الصمت  بعنف الدعاية الإعلامية التي ينتهجونها , وهذا في الحقيقة , منهج المستبد وصاحب السلطة الفردية , فهو لا يقبل وجود الاخر ولا يقبل ان يسمع صوت مختلف معه , وما نراهم في مواقع التواصل في اغلبهم الا أدوات الدعاية لا اكثر ... 

اننا اليوم وبحق اخوتي , امام نموذج مكرر ولكن  بظروف مختلفة فقط , ولكن نفس العقليات ونفس المنهج , وهذا لا يجعلنا ان نصمت عن تيارات أخرى لديها نفس التصورات والنهج الدعائي وان سكنوا او استخدموا التقيه  مثل التيارات المتأسلمة والتي ترى الحاكمية هي وسيلة السلطة الوحيدة وبالتالي فان أي تصور سياسي اخر للنظام يعتبر شركاً عندهم  , فما الاختلاف بين هذا التيار الاصولي الذي يرى نهجاً فردياً باسم الحاكمية , وبين تيار اخر علماني يرى نفسهِ هو فقط صاحب الحق والسلطة ودونه خونه وعملاء ورجعيون ؟  .. 

اننا اليوم , لا نزال بعيدون عن ان يهمين طرف لوحده دون الاخر , وبالتالي لدينا فرصة ان نحدث تغير حقيقي لصالح الناس والحريات , ويعالج حالت الخصومة ويخفف من عبث هذه المكونات الفردية المنهج , ولدينا فرصة في ان نقول لا , وان نطرح افضل ما لدينا ,  وهذا رهن قدرتنا اليوم على الاجتماع والمقاومة الفكرية والمنهجية لهذه التيارات الى ان تعيد النظر في نهجها الفردي او تنعزل مع الوقت , فلسنا مستعدين لتكرار الماضي ولا ان ننجر الى الاقتتال الذي يسعون له ...