حصانة الفكرة

"تكتسب الأفكار قوة إضافية كلما تعاقب عليها الزمن من جهة وتواتر القول بها من جهة أخرى وهذا يعطيها حصانة رمزية تبلغ بها حد التقديس بسبب رسوخها الذهني " منقول بتصرف

أعجبتني المقولة أعلاه وبغض النظر عن توافقي مع كاتبها أو ايماني بنظرته الأدبية او الفكرية لكن هذا لا يمنع أن هناك جزئيات تنطبق على واقعنا والأخذ منها أو نقلها يعد انصافا للفكرة المطروحة أيا كان مصدرها

كم هي الأفكار والشخوص التي تطرح للناس ويتم تلميعها وتكبيرها عشرات المرات عن حجمها الطبيعي ثم ينتقل أولئك المُلمِّعون الى العمل على تأليه تلك الأفكار والشخوص بحيث تُلقي عليهم هالة من القداسة تصبح مع الأيام واجبة التسليم و من حاول نقدها أو الخروج عنها فكأنما كفر أو قُبِضَ عليه بجرمٍ مشهود من خيانة الوطن ويربطون تلك الأسماء والأفكار بالدين والوطن والتاريخ والحضارة و جهازك التنفسي والهضمي إن استطاعوا أيضا ليحكموا بذلك الخناق على الفكر الحر و يجعلون العامة تزدري من يحاول إخراجهم من براثن الجهل والتبعية للأصنام،

 وأكرر سواء كانت تلك الاصنام اشخاصا ام افكارا وهم ينجحون بذلك غالبا ولفترة تطول للأسف بحسب الأجواء العامة التي تساعدهم على البقاء لكن الجميل أن استغباء الناس لا يدوم قد يطول لكن لا  يدوم فالوعي هو الشيء الذي لا يموت قد يضعف اليوم وقد يخبو وقد يختبئ خوفا من حدة الصراع لكنه لابد يتسلل إلى قلوب و عقول الناس ويظهر دفعة واحدة كمارد يطيح بتلك الأشباح التي قَيّدت الناس كثيرا واستعبدتهم وسيّرتهم لخدمة مجموعة لا هم لها الا مزيدا من المكاسب الشخصية التي يغلفونها بالوطنية ويجعلون الجميع عُمّالا في بناء قصورهم وحملة لكراسي زعاماتهم المدعاة .

نعم يحدث هذا وكمثال بسيط بيننا فكم هم الاشخاص الذين يُجْبرنا خُدّامهم على تقديسهم وعدم المساس بهم أو الحديث عنهم إلا بالحمد والثناء ومن خالف ذلك فقد خان الجنوب وقضيته وباع نفسه للغير، وهم في الخيانة وبيع الشجر والحجر معلومين لكلِّ ذي نظر.

تظل الفكرة قابلة للنقاش هذا في الوضع الطبيعي إلاّ عندنا فالفكرة السياسية التي يصنعوها لنا يجب علينا التسليم بها دون تفكير أو النقاش وهذا يشبه الفكرة الدينية لدى الجماعات الخارجة عن الدين فخزعبلاتهم وتُرّهاتهم لا مجال لتصويبها أو النظر في أمرها

ويظل الأشخاص محل أخذ ورد ومن نصّب نفسه فارس الوطن المغوار فعليه أن يتحمل النقد وتساؤلات الناس وأهم الاسئلة (من وكيف ولماذا؟)

للأسف لقد وقع مجتمعنا في عبودية الفكرة والشخص وكثير منهم بلغ به التطرف لما يؤمن به حد الفجور في الخصومة فيسب ويقدح ويؤذي بأبشع الاوصاف من لم يتماشى معه ويجهل انه بهذا يحارب سنة الله في الاختلاف بين البشر فان كنت أحمق ونظرتك محدودة فلا تجبر غيرك ان يُغيّبَ عقله ويُعمِي بصره ويمضي خلفك.

واخيرا اخواني الوطن أبقي من الاشخاص والحق غالب لا محاله وان طال أمد الدجل والتجهيل.

خاتمة شعرية:

للشاعر احمد مطر

في زمان الجاهلية

كانت الأصنام من تمرٍ،

وإن جاعَ العباد،

فلهم مِن جُثّةِ المعبودِ زاد،

وبعصرِ المدنية،

صارت الأصنامُ تأتينا من الغربِ

ولكن بثيابٍ عربية،

تعبدُ اللهَ على حرفٍ،

وتدعو للجهاد

وتسبُّ الوثنية،

وإذا ما استفحلت

تأكلُ خيرات البلاد

وتحلّي بالعباد،

رَحِمَ اللهُ زمانَ الجاهلية.

مقالات الكاتب